يرجع تاريخ مدينة وزان إلى أواسط القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي، وهو مرتبط بتأسيس الزاوية الوزانية على يد الولي الصالح مولاي عبدالله الشريف، شيخ الطريقة الوزانية من أجل الدعوة والإصلاح، وبنى طريقته على القواعد الشرعية والسنن المحمدية والحقائق الربانية، بحيث قال رضي الله عنه: "طريقنا هذه مبنية على خمس كما أن الإسلام مبني على خمس وهي: امتثالالأوامر، واجتناب النواهي، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" وفي عهده وعهد أبنائه أشياخ هذه الزاوية من بعده مولاي محمد ومولاي التهامي ومولاي الطيب... لعبت المدينة دورا دينيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، ساهمت في بناء الصرح الحضاري للشخصية المغربية المسلمة، وأعطت في هذا التاريخ رجال عظام حافظوا على الهوية المغربية المسلمة، كما عرفت المدينة في عهدهم تطورا ملحوظا في التوسع والعمران والازدهار في كل شيء، كما جعلوا لها قدسية واحترام من الخاص والعام والحاكم والمحكوم، وصلت درجة منافسة مدينتي فاس ومراكش على عاصمة الملك بالمغرب، وذلك في عهد الشيخ سيدي علي بن أحمد، الذي بايع المولى سلمات على الملك. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المستوى والاهتمام التي وصلت إليه المدينة في ظل هؤلاء الأشياخ الوزانيين. إذا هذا ماهو معروف ومؤكد في تاريخ تأسيس هذه المدينة ونشأتها وازدهارها، إلا أن البعض يذهب أبعد من ذلك رغم غياب المراجع التاريخية للاستناد إليها فيقول بأن المدينة نشأت في العهد الروماني بحكم موقع المنطقة بين مدينتي طنجة ومدينة وليلي مع العلم أنه ليس هناك أي آثار أو دليل تاريخي يثبت ذلك. وهناك من يقول على أن المدينة كانت قائمة في عهد الأمويين، نظرا لما كتبه المؤلف عبد الله بن الطيب الوزاني في مؤلفه "الروض المنيف في التعريف بأولاد مولاي عبد الله الشريف" الذي يوضح فيه، أن مأذنة مسجد مولاي عبد الله الشريف بنيت على أصل صومعة بناها موسى بن نصير، مع العلم أن نفس هذا القائد المسلم بنى صومعة أخرى لمسجد الشرافات قرب مدينة شفشاون. كما أن هناك من يقول أن المدينة عرفت في العهد المريني، نظرا لوجود حي يسمى ببني مرين، يقال بأنه سكنه بعض من كان في الجيش المريني بقيادة أبي فارس بن أبي عنان المريني، الذي كان مارا بهذه المنطقة لمحاربة بعض المتمردين بقبائل غمارة، وقد نزل بها هذا القائد بجيشه من أجل الراحة، فعملوا على حفر بئر من أجل شرب الرجال والجياد، فسميت هذه العين باسمه ومازالت هذه العين تحمل هذا الإسم لحد الآن، وهي تقع في حي يسمى باسمها ألا وهو حي عين أبي فارس.أما أصل تسمية المدينة بوزان فهو غير معروف بالتدقيق، فهناك من قال أن الإسم أطلق عليها من طرف أحد أباطرة الرومان ولي عهده يحمل "أوزينوس" ومنها انبثق إسم "وزان"، وهناك من قال أن الإسم اشتق من كلمة عربية "الوزان" و هذه الكلمة أطلقت على أحد الأشخاص بالمدينة، وهناك من يقول أن أصل كلمة "وزان" منبثق من كلمة "واد الزين" وهو نهر صغير بضواحي المدينة، ويبقى الاحتمال الأول هو الأقرب إلى الصواب، كما أن المدينة عرفت باسم آخر ألا وهو دار الضمانة وذلك منذ عهد الشيخ مولاي التهامي الذي قال مقولة انبثق منها هذا الإسم وذلك أنه رضي الله عنه، أنه ذكر بين يديه كلام سيدي عبد الرحمان المجذوب وهو : غَيّبتْ نْظـْرِي فِنْظــرُ وفْنِيتْ عَنْ كُلْ فَانـِي حَقَّقْت مَا نظـرْتْ غَيْرُ ورُحْتْ والقَلْبْ هَانِي فقال مولاي التهامي رضي الله عنه : هذا إنما قضى حاجة نفسه ولم يقض حاجة لغيره ، فأنا لا أقول هكذا . فقيل له: وكيف تقول يا سيدي؟ قال : أقول: مـنْ جَـــا لحضرتْنَــا يْبْـرَا يمْشِي بقَلْـبُ مسْتَمْن يجِي نحَـاسْ يمْشِي نقْرا و سِيدْنا مُحَمّـدْضَمن وهي تعني الأمن والحصانة من الشر لكل من دخل هذه المدينة المباركة بأوليائها ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الضامن لذلك وجاء في كتاب التحفة الطاهرية أن أحد الفقهاء والمدرسين بمدينة فاس وهو سيدي محمد المشاط استغاث بها في عهد الشيخ مولاي التهامي حيث قال المؤلف: " وجاءالإعلام من قبل السلطان مولانا إسماعيل، بقبض الفقهاء والعلماء ليوافقوا على مسألة الحراطين ، ويكتب كل واحد منهم بخطه على صحة ذلك ، ففر الفقيه المذكور بأهله وولده إلى وازان ، واستجار بساداتنا الشرفاء الأعيان ، فأقبلوا عليه وأكرموه ،وصدروه للقراءة هنالك وعظموه ، وسكن هنالك إلى أن انكشفت تلك الظلمة، وانزاحت عن هذه المدينة الإدريسية تلك الغمة، فرجع الفقيه المذكور حينئذ لوطنه ، وصار يخبر الناس بمناقب هؤلاء السادات وما رأى معهم من الكرامات ، حتى كان يقسم ويقول: والله لو كان نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكان مولاي التهامي رضي الله عنه. ولما ذكرت هذه المقالة لشيخنا الفقيه، العالم العلامة سيدي محمد بن موسى قال: <<أنا سمعت الفقيه المشاط يقول ذلك مشافهة، ويثني على هذا الولي المبارك غاية الثناء>>. وقد ساهمت هذه الزاوية منذ تأسيسها إلى عهد الحماية في بناء لصرح الحضاري للشخصية المغربية المسلمة وأعطت في هذا التاريخ رجالا عظام حافظوا على الهوية الإسلامية كما ساهمت هذه الزاوية كما كباقي الزوايا الآخرين في الدفاع على أصل الدين وتربية المسلمين على الطريق المستقيم وتوعية الفرد لمعرفة خالقه في الدنيا واستعداده للقائه في الآخرة فيما يحب الله تعالى ويرضاه ثم الدفاع على استقلال البلاد وحرمته
فهذه المدينة مقدسة لصبغتها الدينية وقد لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب وبها مقر الزاوية الوزانية التي أسسها القطب الواصل والغوث الكامل مولاي عبد الله الشريف شيخ الطريقة الوزانية الذي ولد سنة (1005هـ/1597م) بتازروت بقبيلة بني عروس بجبل العلم وهو من السلالة الإدريسية. تتلمذ للشيخ سيدي علي بن أحمد الصرصري أحد أركان الطريقة التباعية الجزولية الذي ثم وجهه لمدينة تطوان بقصد قراءة العلم ثم منها لمدينة فاس. ولما توفي شيخه الصرصري عام 1027هـ نزل مدشر شقرة من قبيلة مصمودة، وهناك انعزل عن الناس في خلوة حيث مكث أربعة عشر شهرا، حتى فتح الله تعالى عليه بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول الخلق، فانتصب لدعوتهم، فلما كثر عليه المريدين والزوار ارتحل لوزان حيث هناك أسس زاويته، وشرع في تلقين طريقته التي هي مبنية على السنة في جميع الأقوال والأفعال ومجانبة البدع وإطعام الطعام وكثرة الاستغفار والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد انتشرت هذه الطريقة داخل وخارج المغرب، ومن هذا الولي المبارك تسلسل أشياخ هذه الزاوية وهو مولاي محمد ومولاي التهامي ومولاي الطيب ... وفي عهد هؤلاء لعبت دار الضمانة دورا دينيا واجتماعيا وسياسيا بحيث نما عمران وزان، وبنيت مساجدها، وزينت أضرحتها، وعرفت في عهدهم الازدهار في كل شئ حتى العلمية والفكرية، بحيث تأسست بها أكبر خزانة للكتب والمخطوطات، وعرفت ثراء كبيرا في عهد الولي الصالح سيدي علي بن أحمد، ولهذه المدينة زوايا في جل المدن المغربية وقراه وفي بلدان المغرب العربي وغيره ، وكل هذه الزوايا هي عبارة مساجد صغرى لأداء الصلوات الخمس وتلاوة الأوراد الخاصة بمؤسس الزاوية الوزانية مولاي عبد الله الشريف.